في صباح الثامن من أيار نحو الساعة العاشرة ، كانت هناك محاكمة لأخطر المجرمين في شارع فولتون حيث كان هذا المجرم يتم البحث عنه منذ ما يقارب سبعة أيام أثر جريمة قتل ارتكبها ضد أحد المارة في الشارع بعد خلاف دار بينهما ، ناهيك عن سوابق هذا المجرم ، فقد كان في سجله الإجرامي عشرُ سرقات و عملية سطو مسلح لإحدى شركات السياحة .. كان قد سُجن قبل ذلك خمس سنوات و تم الإفراج عنه قبل أربعة أشهر .. و اليوم قد حانت الساعة العاشرة لمحاكمته بعد ارتكاب جريمة القتل حيث كنت أنا و صديقي هوروود في قاعة المحكمة و القاضي باران بيكوتانو و أهل الضحية فوسكي موران ، ساميو موران ، و بانا موران ... و بدأ القاضي بالتحدث و سمع لكلاً من المتهم و المحامي و أهل الضحية ، و بعد ربع ساعة من النقاشات فقد أصدر القاضي حكمه على المتهم و كان الحكم بالسجن عليه لمدة ستُ سنوات و قام أهل الضحية بإعتراضهم على هذا الحكم إلا أن القاضي نطق " رفعت الجلسة " و خرج من القاعة .. و عند حلول الساعة الواحدة صباحاً كنت أنظف مسدسي بينما كان هوروود يقرأ الجريدة و إذ بالباب يطرق كنت لأنهض لفتح الباب بينما أشار لي هوروود بيده بالجلوس و قد ترك الجريدة و قام بفتح الباب لنجد السائل بأنه أحد رجال الشرطة الذين معنا بالقسم ..

" سيد هوروود ، أرجو منك القدوم فوراً إلى شارع ويليام أنت و السيد أديسون "

" ما الخطب ؟ جريمة قتل أم سرقة ؟ "

" جريمة قتل للأسف ، لقد قُتل القاضي باران "

تبادلنا النظرات أنا و هوروود بدهشة و استغراب و اتجهنا مسرعين إلى السيارة حيث مكان الجريمة ، لم يكن شارع ويليام بعيد عن شارع وول ستريت كثيرا ، خمس دقائق و كنا مكان الجريمة ، ترجلنا من السيارة و قابلنا المفوض روكي .. " أهلا بكما .. الجريمة في الشقة رقم 7 من هذا البناء هيا تعالا معي لتتطلعوا على موقع الجريمة " و ذهبنا مع المفوض روكي حيث الجريمة .. شقة تتكون من غرفة المعيشة مدمجة بالمطبخ و حمام و غرفة نوم ، كانت الضحية على الأرض بالقرب من الأريكة في غرفة المعيشة ، حيث باشر المفوض بإعطاء المعلومات لنا ..

" الضحية باران بيكوتانو ، يبلغ من العمر سبعة و خمسون عاما ، سبب الوفاة طعنتان بالسكين من الجانب الأيمن لخاصرته "

" إذن الضحية رأى القاتل و أظن أنهما تعاركان لأنه إذا لم يكن كذلك لكانت الطعنات من الخلف ، و هذا التفسير المنطقي إن كانت الطعنة من الأمام أو من الخاصرة فهذا يعني رؤية الضحية للقاتل و إمكانية التعارك معه "

" نعم .. هذا ما يبدو سيد هوروود "

و ما أن انهى المفوض حديثه لتدخل المسكن سيدة في الأربعينات من عمرها و إذ بها تصرخ و انهمرت بالبكاء و بعد مرور عشرون دقيقة و نحن نعمل على تهدأتها ها هي أخيرا تهدأ لنفهم من تكون هذه السيدة ، وجهت سؤالي لها فأجابت بأنها زوجة الضحية السيدة آمبر بيكوتانو تبلغ من العمر اثنان و أربعون عاماً .. و من ثم وجهت سؤالي الثاني و هو أين كانت خلال هذه الفترة ، حيث قالت أنها كانت مع صديقاتها في المطعم منذ الساعة الحادية عشر مساءً ، و عندما تفحصنا نبض الضحية عند وصولنا كانت تؤشر وفاته حول الساعة الثانية عشرة و أربعون دقيقة ، و قام هوروود بسؤال السيد آمبر عدة أسألة حول علاقة زوجها بالجيران و ما شابه ثم سألها : " كيف علاقتكم مع مالك البناء ؟ سمعت أنكم تقطنون هنا بالإيجار ! "

" نعم سيدي ، نحن هنا بالإيجار ندفع للسيد انجيلو كل رأس شهر خمسون دولارا و لا نتأخر بالدفع اطلاقا و السيد انجيلو محترم و قدير لم يختلف معه زوجي قط "

" شكرا لكِ " خذوا السيدة بيكوتانو لمكانٍ آخر لترتاح .

و بعد مغادرة زوجة الضحية ، قام هوروود يتفقد الضحية مجدداً و بتمعن و بعد مرور دقائق من التفحص الجيد للضحية طلب من رجال الاسعاف نقلها للمشفى و أمر رجال الشرطة بإغلاق الشقة بالشريط الأحمر ثم التفت إلي و قال : " حسناً يا أديسون ، ما رأيك بالقضية ؟ برأيك من قام بقتل السيد باران ؟"

" في الحقيقة لا يخطر على عقلي سوى أحد أقرباء المجرم الخطير الذي حاكمه القاضي اليوم أو ربما أحد شركاءه "

" تقصد المجرم سباستيان بيرانس الذي قتل السيد موران ، ممم لا أظن هذا يا أديسون فهذا المجرم قد حُكم على يد قاضي آخر من قبل و سُجن . "

" حسنا هوروود ، و ماذا حل بذلك القاضي ؟ "

" هيا إلى المنزل الآن ، سأطلع على بعض المعلومات ، فلدي ملف السيد سباستيان منذ أول جريمة له ، سأرى بعض الأشياء حول ماضيه . "

و ما أن وصلنا المنزل اتجه هوروود إلى المكتبة باحثا بين الرفوف عن ملف سباستيان و أخذ أحد الملفات و قال : هذا هو . ثم رماه ناحي على طاولة الأريكة و قال : لعلك ترى فيه تفاصيل مهمة جدا أكثر مني ، فأنت تحب الاطلاع .. اقرأ بصوتٍ عالٍ . و فتحت الملف و بدأت أقرأ عنه .. سباستيان بيرانس يبلغ من العمر ثمانية و ثلاثون عاماً ، أول جريمة ارتكبها في حياته كانت في عمر الاثنان و ثلاثون عاماً جريمة سرقة ، ثم بعد بعد ذلك قام بعدة سرقات أخرى ، في عمر الثلاثة و الثلاثون عاماً ألقت عليه الشرطة القبض في عملية سطو مسلح على إحدى شركات السياحة و على أثر هذا اعترف بالجرائم السابقة و حُكم لمدة خمس سنوات ، و قد خرج من السجن قبل أربعة أشهر ثم ارتكب هذه الجريمة الجديدة ضد ابن عائلة موران .. سبب القتل مازال مجهولا فهو يرفض الاعتراف و تبقى الأسباب المطروحة مجرد احتمالات .. في الحقيقة دُهشت من هذا المكتوب هنا ي هوروود ، حاصل على درجة الماجستير في الكيمياء ! أتعجب من رجل مثقف كهذا يكون مجرما و سارقاً ، كيف ذلك لا أفهم !!!

" عزيزي أديسون ، المجرم المتعلم أخطر بكثير من المجرم الجاهل .. ماذا بشأن وضعه المادي ؟ "

" ممم .. لا شيء يذكر ، فقط كل ما هو مدون أنه لم يحصل على أي وظيفة تكسبه المال . "

" حسناً ، انظر لي .. ما اسم القاضي الذي حكم عليه المرة الماضية ؟ "

" جوني ميدال "

و بعد أن اخبرت صديقي عن اسم القاضي الذي حكم على سباستيان لمدة خمس سنوات ، نهض من مقعده و قام يبحث بين الرفوف على ملفٍ له و بعد ثوان من البحث وجده قائلا : " ها هو ، جوني ميدال .. مازال حياً حتى الآن "

" في الوقت الحالي يا أديسون .. الوحيدون الذين يمكننا أن نشك بهم هم أفراد عائلة موران ، فقد اعترضوا جميعهم على حكم القاضي و كانوا يطالبون بإعدام سباستيان ، و ربما قام أحدهم بقتل القاضي ظناً بأنه متواطئ مع سباستيان أو كعقاب لأن الحكم لم يكن عادلاً بالنسبة لهم "

" و لكن كيف سنتهمهم و لا نملك أي دليل يشير بأن القاتل قد يكون منهم !؟ "

" سنرى ذلك ، انهض معي الآن لنذهب إلى منزل عائلة موران "

و ذهبنا إلى منزل عائلة موران حيث كانوا جميعهم يقطنون في مبنى مكون من طابقان ، حيث أخت الضحية بانا و التي تبلغ الخامسة و العشرين من عمرها ، و أخيها الآخر ساميو يقطنون في الطابق الأول بينما كان ابن عمهم فوسكي يقطن في الطابق الثاني .. و طلبنا منهم أن يدلوننا على غرف منازلهم و نتفحصها معاً حيث بدا التذمر عليهما و بعد أن انتهينا من ذلك طلبنا منهم القدوم معنا للطابق العلوي لمنزل ابن عمهم

طرق هوروود الباب و استقبلنا فوسكي موران و قمنا بمصافحته و دخلنا البيت نتفحص الغرف و كانت غرفة النوم آخر غرفة ندخلها حيث كان بها طاولة صغيرة بها خاتم بمنتصفه حجر كريم أزرق و أيضاً مذكرة و قلم ..

قال السيد فوسكي : " و ماذا بعد سيد هوروود ، هل انتهى الأمر الآن ؟ "

" نعم ، شكرا لكم "

و من ثم خرجنا من الغرف حيث كان السيد فوسكي في المقدمة و من ثم يليه أبناء عمه ثم أنا و هوروود أخيراً كنتُ قد لاحظت بأن هوروود أخذ الخاتم من الطاولة أثناء خروجنا ثم توجهنا جميعاً إلى غرفة الجلوس .. و قال فوسكي " أتمنى أن تكون قد استفدت شيئاً سيد هوروود " ابتسم صديقي و قال : " نعم ، لقد استفدت " و بنظرة خاطفة إلي قال بصوتٍ حاد " اقبض على هذا المجرم بسرعة يا أديسون " ثم نظرتُ إلى هوروود بدهشة و نظر فوسكي نظرة توحي بالاستغراب ، ثم ضحك و قال : " على رسلك سيد هوروود ، لماذا يتم القبض عليّ ؟ " " لأنك الرجل الذي قتل القاضي بيكوتانو " نظرت أنا و أبناء عمه نظرة دهشة و استغراب ثم اتجهت خلف فوسكي و سألت هوروود : " كيف ذلك ؟ هلا تشرح لنا ؟ "

" بالطبع سأشرح ، لم يجد فوسكي أي عناء في دخوله لبيت الضحية .. فبكل بساطة طرق الباب و استقبله القاضي ، كان يظن القاضي بأنه جاء معه للحديث بشأن الحكم الذي أصدره على سباستيان و بالفعل هذا ما تظاهر به فوسكي ليستطع دخول البيت دون عناء ، و بعد أن انتهى حديثه قام من الأريكة و وجه سلاحه نحو القاضي .. في الوضع العادي سينصدم الرجل الذي يوجه عليه السلاح و قد صُدم القاضي لكن كان لديه جرأة جعلته ينهض يدافع عن نفسه فقد كان فوسكي يحمل المسدس بيده اليمنى و قام القاضي أمسك بها بيده اليسرى و باليد الأخرى مسك عنق فوسكي و كان قد سبب له جروح أسفل العنق بأظافره و هنا سقط المسدس من يد فوسكي حيث جاءت قبضة المسدس على الأرض و هنا أخذ فوسكي السكين الذي بجيبه و قام بطعن السيد بيكوتانو و قتله .. الأمر الذي جعلني استنتج هذا هو أنه قبضة المسدس رُسمت بسبب الغبار الكثير الذي كان على الأرض و قد دونت رقم المسدس و هو 635 ، لقد كنت أبحث عنه في غرف المنزل و لكن لم أجده يبدو أنه في خاصرتك ، أديسون تفقده" و بعد أن تفحصت فقد وجدت المسدس في خاصرته بالفعل و كان يحتوي الرقم الذي ذكره هوروود .. ثم تابع هوروود : " ليس ذلك فحسب .. ( و قام بإخراج الخاتم الذي أخذه من الطاولة من جيبه و أخرج من الجيب الأخرى جزء حجر كريم أزرق و يبدو أنه تكلمة للحجر الكريم الأزرق الذي بالخاتم ) هذا الخاتم كان على طاولتك في غرفة النوم و هذا الجزء المكسور من الحجر كنت قد وجدته في منزل الضحية تحت الأريكة و يبدو أنه قد كُسر أثناء عراكه معك ، أخلع الكنزة التي ترتديها لنثبت الدليل الثالث .. أنا واثق بأن في عنقك جروح عدة كالتي تسببها القطط و هذا بسبب أن الضحية كان قد جرحك بأظافر يده أثناء دفاعه لأن أظافر اليد اليمنى للضحية كان بها دماء قليلة بينما أظافر يده الأخرى لم تُلطخ بالدماء "

و بعد أن سمع الجميع كل هذا الاستنتاج اتجهت بانا مسرعة نحو فوسكي و كانت قد أزالت كنزته من أعلى لأسفل بيدها لتظهر جروح بالفعل في عنقه و كانت بالفعل جروح سببتها أظافر .

" لقد قتلت القاضي لأن الحكم لم يعجبك كنت تريد إعدام سباستيان ليس لأنه قتل ابن عمك فحسب بل لأنه غدر بك طعن الاتفاق ( يخرج هوروود ورقة مذكرات من جيبه ) هذه الورقة سقطت منك في منزل الضحية أظن عندما كنت تخرج السكين من جيبك لكنك لم تستطع أخذها حتى بعد أن انتبهت انها ليست معك لأن الجثة كانت قد سقطت عليها و ربما ظننت أنها سقطت في مكان آخر تحتوي المذكرة على ما يلي ' سأنتظرك أنت و ابن عمك بايدي في حديقة شارع ويليام .. سباستيان ' بايدي هو الذي قُتل على يد سباستيان من الواضح أنكم شركاء و قد اختلفتم على أمر ما فقام سباستيان بقتل ابن عمك و أنت أدنت القاضي لأنه لم يصدر حكم الإعدام ..

" نعم ، أنا و ابن عمي شركاء سباستيان .. كان قد أخذ حصةً أكثر منا في آخر سرقة و اعترض ابن عمي على هذا معه فقام بقتل ابن عمي و هددني بأنه سيقتلني إن فكرت بفعل شيء ضده ، و سررت لأن الشرطة ألقت القبض عليه فظننت أن إعدامه بات قريبا و سيأخذ ثأر ابن عمي و ستذهب كل أرباح سباستيان من السرقات لي و لن أشعر بالقلق منه بعد أن يُعدم فسباستيان لا يصعب عليه إيجاد رجال ينفذون ما يريد حتى و إن كان بالسجن و مصدر خطره سيبقى لذلك كنت أريد إعدامه و لكن ذاك القاضي البائس دمر سعادتي للأبد ! ".

انتهى#

2024/04/26 · 2 مشاهدة · 1995 كلمة
Musab Hassan
نادي الروايات - 2024